ما العلاقة بين الإريثريتول ومشاكل القلب؟

foryuo_gaming
0


ما العلاقة بين الإريثريتول ومشاكل القلب؟










في السنوات الأخيرة، شهدت بدائل السكر الصناعية والطبيعية اهتماماً متزايداً من قِبل الأفراد الذين يسعون لتقليل استهلاك السكر لأسباب صحية مثل الوقاية من السمنة والسكري وأمراض القلب. أحد أكثر هذه البدائل شيوعاً هو "الإريثريتول" (Erythritol)، وهو مُحلٍ منخفض السعرات الحرارية يُستخدم في الكثير من المنتجات المصنفة على أنها "خالية من السكر" أو "صديقة لمرضى السكري". لكن، وعلى الرغم من سمعته كخيار صحي، بدأت تظهر في السنوات الأخيرة تساؤلات جادة حول تأثيره المحتمل على القلب والأوعية الدموية. فهل الإريثريتول آمن حقاً؟ أم أن له صلة بمشاكل القلب كما تشير بعض الدراسات الجديدة؟


لفهم هذه العلاقة، نحتاج أولاً إلى التعرف على ما هو الإريثريتول، كيف يتم تصنيعه، كيف يهضمه الجسم، وما هي الآثار البيولوجية المرتبطة به. ثم نستعرض الدراسات السريرية والمخبرية التي تناولت تأثيراته القلبية، ونحلل ما إذا كانت هذه النتائج كافية للقلق أم أنها مجرد ملاحظات تحتاج إلى مزيد من البحث والتأكيد.


الإريثريتول هو كحول سكري (sugar alcohol) يتواجد طبيعياً بكميات صغيرة في بعض الفواكه مثل العنب، البطيخ، والكمثرى، وكذلك في بعض الأطعمة المخمرة مثل الجبن وصلصة الصويا. ومع ذلك، فإن الكميات الموجودة طبيعياً في الغذاء لا تكفي للاستخدام التجاري، لذا يتم إنتاجه صناعياً عن طريق تخمير الجلوكوز باستخدام أنواع معينة من الخميرة. ما يميز الإريثريتول عن بقية كحوليات السكر هو أنه يحتوي على سعرات حرارية شبه معدومة – حوالي 0.24 سعرة حرارية لكل غرام مقارنة بـ 4 سعرات للسكر العادي – كما أنه لا يرفع مستويات السكر في الدم، ولا يُسبب تسوس الأسنان، وله طعم مقبول قريب من طعم السكر.



عند تناول الإريثريتول، يتم امتصاص حوالي 90% منه في الأمعاء الدقيقة دون أن يتم استقلابه، ويُطرح عبر البول كما هو دون تغيير. الكمية المتبقية (حوالي 10%) تصل إلى القولون، حيث قد تخمرها البكتيريا. ولأن أغلبه يُمتص بسرعة ويُطرح عن طريق الكلى، فإنه لا يُسبب مشاكل هضمية كبيرة مثل الإسهال أو الغازات كما تفعل كحوليات السكر الأخرى كالسوربيتول أو الزيليتول.


كل هذه الخصائص جعلت من الإريثريتول خياراً شائعاً في المنتجات المخصصة لمرضى السكري أو لأولئك الذين يتبعون أنظمة منخفضة الكربوهيدرات. لكن، في عام 2023، نُشرت دراسة في مجلة "نيتشر ميديسين" (Nature Medicine) أثارت الجدل. وجدت الدراسة أن المستويات المرتفعة من الإريثريتول في الدم ترتبط بزيادة خطر الإصابة بجلطات القلب والدماغ. الدراسة كانت جزءاً من تحليل على أكثر من 4000 شخص من أمريكا وأوروبا، ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من الإريثريتول في دمائهم، كان لديهم خطر مضاعف للإصابة بمشاكل قلبية مقارنة بالآخرين.


المثير في الأمر أن الباحثين لم يكتفوا بالملاحظة السريرية، بل قاموا بإجراء تجارب مخبرية على الصفائح الدموية، ووجدوا أن الإريثريتول قد يزيد من "قابلية التخثر"، أي يجعل الدم أكثر ميلاً للتجلط. وقد تم تأكيد ذلك على نماذج حيوانية حيث أُعطيت كميات من الإريثريتول لوحظ بعدها زيادة في تكون الجلطات.


لكن هل هذه النتائج تعني أن الإريثريتول يسبب الجلطات بشكل مباشر؟ ليس بالضرورة. الباحثون أنفسهم أوضحوا أن دراستهم قائمة على الملاحظة، وليست تجربة عشوائية محكمة. هذا يعني أنهم لاحظوا وجود ارتباط، لكن لا يمكنهم الجزم بوجود علاقة سببية. فمن المحتمل أن الأشخاص الذين ظهرت لديهم مستويات مرتفعة من الإريثريتول في الدم، يعانون من مشاكل استقلابية أخرى (مثل السكري أو مقاومة الإنسولين) قد تكون هي السبب في زيادة الخطر.


كما يجب الإشارة إلى أن الجسم نفسه يمكنه إنتاج الإريثريتول داخلياً كمنتج ثانوي لعمليات أيض الجلوكوز. وهذا يعني أن المستويات المرتفعة من الإريثريتول في الدم قد لا تعكس فقط الاستهلاك الغذائي، بل أيضاً حالة التمثيل الغذائي لدى الفرد. لذا، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تناول الإريثريتول من الأطعمة هو المسبب الأساسي للخطر، أم أن المشكلة أعمق وترتبط بوظائف استقلابية مضطربة.



من جهة أخرى، توجد العديد من الدراسات السابقة التي دعمت سلامة الإريثريتول، بل واعتبرته مفيداً في بعض الحالات. على سبيل المثال، هناك دراسة نُشرت في "Journal of Clinical Biochemistry and Nutrition" عام 2010، أشارت إلى أن الإريثريتول قد يملك خصائص مضادة للأكسدة ويمكن أن يحسن من وظيفة الأوعية الدموية لدى مرضى السكري من النوع الثاني. كما أشارت أبحاث أخرى إلى أنه لا يرفع الكوليسترول، ولا يؤثر على ضغط الدم، ولا يُحفز الإنسولين، وهي مؤشرات إيجابية عند تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب.


وكذلك، وُجد أن الإريثريتول لا يؤثر على ميكروبيوم الأمعاء بشكل كبير، على عكس بعض بدائل السكر الأخرى. بما أن توازن البكتيريا المعوية يرتبط بشكل وثيق بصحة القلب والتمثيل الغذائي، فإن هذه المعلومة قد تدعم فكرة أن الإريثريتول ليس ضاراً على المدى الطويل.


ما يجعل الأمر معقداً هو طريقة استخدام الناس للإريثريتول، حيث أن الكثيرين لا يستهلكونه بكميات صغيرة، بل يتناولونه يومياً بكميات كبيرة من خلال المنتجات الجاهزة مثل الحلويات "الدايت"، المشروبات الغازية الخالية من السكر، البروتين بارز، والعلكة. في هذه الحالات، قد يتعرض الجسم إلى تركيزات أعلى بكثير من تلك التي توجد طبيعياً، وهنا تبرز المخاوف.


إضافة إلى ذلك، بعض الأشخاص قد يكون لديهم استعداد وراثي لمشاكل التجلط أو أمراض القلب، وعند الجمع بين هذا الاستعداد وتناول كميات كبيرة من الإريثريتول، قد يظهر التأثير السلبي بشكل أوضح. لذلك، من المهم جداً دراسة التأثيرات حسب الفئات العمرية، الحالة الصحية، والجرعات المستهلكة.

الهيئات الرقابية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وهيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) لا تزال تعتبر الإريثريتول آمناً للاستخدام، ولم تصدر أي تحذيرات حتى الآن بناءً على الدراسة الأخيرة، لكنها دعت إلى إجراء مزيد من الدراسات. وهذا أمر متوقع، لأن تغيير الموقف الرسمي يتطلب أدلة أقوى وأكثر دقة من دراسات قائمة على الملاحظة فقط.


حتى الآن، لم يتم تحديد "جرعة خطيرة" للإريثريتول، لكن معظم الدراسات تشير إلى أن الاستهلاك اليومي حتى 1 غرام لكل كغ من وزن الجسم لا يُظهر تأثيرات سلبية واضحة. مع ذلك، بعض الأطباء ينصحون بعدم الإفراط في استخدام أي بديل للسكر، والتركيز بدلاً من ذلك على تقليل التعلق بالمذاق الحلو عموماً.



في الختام، العلاقة بين الإريثريتول ومشاكل القلب لا تزال غير محسومة. هناك إشارات مقلقة ظهرت في دراسات جديدة، لكنها ليست كافية لتأكيد وجود خطر حقيقي على صحة القلب من استخدامه المعتدل. من المهم أن نتابع الأبحاث المقبلة، وأن نتعامل مع بدائل السكر – مهما بدت آمنة – بعين الحذر، وأن نركز على نمط غذائي متوازن يقوم على الأطعمة الطبيعية غير المعالجة. في النهاية، لا بديل حقيقي عن التغذية المتنوعة والنشاط البدني والاعتدال في كل شيء.



...وقد نُشرت هذه النتائج في دراسة مثيرة للجدل في مجلة Nature Medicine بتاريخ 27 فبراير 2023، حيث كان الفريق البحثي بقيادة الدكتور ستانلي هازن، مدير مركز تشخيص أمراض القلب والأوعية الدموية والوقاية منها في معهد كليفلاند كلينيك للأبحاث. وقد علّق الدكتور هازن قائلاً: "درجة الخطر لم تكن متواضعة"، مشيرًا إلى أن الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب، مثل مرض السكري، كانوا أكثر عرضة مرتين للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية إذا كانت لديهم أعلى مستويات من مادة الإريثريتول في دمائهم.



هذا التصريح يعزز القلق المتزايد بشأن الاستخدام المتكرر والمكثف لهذا المُحلّي، خاصة في أوساط الفئات الأكثر هشاشة من الناحية الصحية، مثل مرضى السكري وكبار السن أو أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي مع أمراض القلب. كما يفتح باب النقاش حول مدى سلامة الإريثريتول على المدى الطويل، وحاجة المجتمع العلمي والطبي إلى إجراء المزيد من الأبحاث التي تكون أكثر دقة، مثل التجارب السريرية العشوائية، لتحديد ما إذا كان هذا المركب بالفعل يسبب ضرراً مباشراً، أم أن وجوده بكثرة في دماء المرضى مجرد انعكاس لحالة استقلابية مرضية أعمق.

هل الإريثريتول مادة آمنة؟


نعم، الإريثريتول يُعتبر آمنًا بشكل عام عند استخدامه بجرعات معتدلة، وفقًا لما تقرّه الهيئات التنظيمية الدولية مثل:
إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA): تُصنّف الإريثريتول على أنه "معترف به عمومًا كمادة آمنة" (GRAS).
هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA): لم تضع حدًا أقصى لاستهلاك الإريثريتول، ما يعني أن الدراسات المتاحة لم تُظهر مخاطر واضحة له عند الاستخدام المعتدل.
هنا تظهر بعض التحذيرات الحديثة. فدراسة نُشرت في مجلة Nature Medicine عام 2023 وجدت أن:
الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من الإريثريتول في الدم كانوا أكثر عرضة مرتين للإصابة بجلطة قلبية أو سكتة دماغية، خاصة أولئك الذين يعانون من السكري أو أمراض القلب.



الدراسة لم تثبت علاقة "سبب ونتيجة"، لكنها أظهرت ارتباطًا يستدعي مزيدًا من الحذر والبحث.
الإريثريتول آمن لعموم الناس عند استخدامه باعتدال.
من الأفضل أن يتجنبه الأشخاص المصابون بأمراض قلبية أو ميتابولية مزمنة حتى تتوفر أدلة علمية أوضح.
وكالعادة، الاعتدال هو المفتاح، فحتى "البدائل الصحية" قد تكون ضارة إذا أُفرط في استخدامها.

لكن... هل هذا يعني أنه آمن للجميع تمامًا؟


إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Ok, Go it!
To Top