أصل الكسكس:
الأصل الكسكس: هل هو مغربي؟
ولما الكسكس من أشهر التقليدية في المغرب، بل إنه رمزًا ثقافيًا، يعرف المطبخ المغربي عن غيره. لكن هل الكسكس مغربي الأصل فعلًا؟ أم أن أصله إلى حضارات أخرى؟ هذا السؤال ظل موضع جدل بين المؤرخين والباحثين لفترة طويلة. في هذا المقال، نستعرض تاريخ الكسكس وأصوله، حيث يعود إلى مصادر تاريخية وأبحاث علمية.
الطيران عبر الزمن
في عام 1734، انطلقت قافلة ملكية من فاس متجهة إلى مكة المكرمة لحضور مناسك الحج، يتقدمها الأمير محمد، الذي شهري الشهر الفضيل محمد الثالث، وسكنتها والدته خناثة بنت بكار. لم تكن هذه الطائرة مجرد فريضة دينية، بل أهدافها سياسية أيضًا، حيث كان السلطان الجديد مولاي عبد الله يتحمل حكمه بعد وفاة والده مولاي إسماعيل.
خلال هذه الرحلة، كانت القافلة توقفت في محطات مختلفة، حيث تقام الاحتفالات وتوزع الصدقات، في مشهد الولاء للسلطان الجديد. وانت وصلت القافلة إلى إحدى القبائل في المغرب، طلب الأمير محمد طبق الكسكس، ولكنه فوجئ برد فعل من حوله، لم يكن هذا آهلاً شائعاً في تلك المنطقة.
المثل المغربي وحدود الكسكس
ويشتمل هنا على الوزير محمد الإسحاقي لإنقاذ الموقف، قائلاً للأمير: "ألا تعلم يا سيدي المثل المغربي القائل: حدود الكسكس هو تازة، وإذا تعداها هو بو الجراف؟" كان هذا شائعًا صباحًا، ويعني أن الكسكس لم يكن معروفًا خارج نطاق معين من المغرب، مما يعكس مدى ارتباطه بالثقافة المغربية.
دوّن الإسحاقي هذه الحادثة في كتابه "رحلة الوزير الإسحاقي" . ورغم أن كتابة الوقت باللهجة الدارجة كانت نادرة في ذلك، فقد اختارت الإسحاقي أن يورد المثل بالدارجة حفاظًا على دلالته الأصلية.
النسخة الأصلية بين روايات الكسكس والعقيدة والتاريخية
ظهر أول ذكر للكسكس في كتب القرن السادس عشر، حيث نسبه المؤرخ أحمد المقري إلى النبي محمد ﷺ في كتابه "نفح الطيب" . وفي القرن السابع عشر، انضم أبو القاسم الزياني في كتابه "الترجمان الكبرى" إلى أن الكسكس الأصلي يعود إلى النبي سليمان عليه السلام. لكن هذه القصص الخيالية لم يكن هناك للإجابة عن السؤال الأصلي بقدر ما لم يتم التوصل إليه.
في المقابل، تعددت النظريات حول الكسكس الأصلي، بحكم من قال إنه من الأصل فينيقي، في حين يرى أنه جاء من عصر جنوب الصحراء، أو من النوميديين، أو حتى من منطقة ورغلة الجزائر في الحالية.
التوثيق العلمي للكسكس
رغم كثرة النظريات، فإن أول دليل معروف حول أن الكسكس يعود إلى الفترة بين القرنين لعدة عشرات، حيث ورد ذكره في كتابين مغربيين هما "أنواع الصيدلة في ألوان الأكل" و*"فضالة الإخوان في طيبات الطعام والألوان"*. وكان هذا الكتابان، اللذان ظهرا خلال حكم الدولة الموحدية، من أوائل كتب الطبخ في تاريخ المغرب.
كان الموحدون يطمحون إلى حكم العالم الإسلامي، وبسطوا إعجابهم من الأندلس شمالًا إلى الصحراء الجنوبية، وامتد حكمهم شرقًا ليقترب من مصر. خلال هذه الفترة، انعكس ازدهار الدولة في التأليف، تشكيل الوجبات، وورد في هذه الكتب ذكر ثمانية وصفات مختلفة للكسكس، مثل كسكس بويني الذي يتكون في مراكش، و كسكس بثماني خضروات الذي كان معروفًا في الأندلس.
هل الكسكس مغربي؟
على الرغم من أن الكسكس لا زال مطلعًا مغربيًا بامتياز في يومنا هذا، فإن أصوله التاريخية لا حصر لها بشكل جزئي. الأكيد هو أن المغرب يقوم بدور الأبرز في تطويره ونشره عبر القرون، مما يضعه رمزًا ثقافيًا راسخًا في جواز السفر المغربي.
في النهاية، سواء كان الكسكس أصليًا مغربيًا خالصًا أو نتاج تلاقح حضاري، يبقى أحد المتميزين الذي يؤمن بروح المطبخ المغربي العريق، بمزيجه الفريد من نوعه وتقاليد.